كلمة الموقع


كلمة الموقع



 



الحمد لله الذي شرح صدور أهل الإسلام للهدى ، وطبع على قلوب أهل الطغيان بكفرهم فلا تعي الحكمة أبدا ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلها أحدا ، فردا صمدا ، لم يتخذ صاحبة ولا ولدا .



وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، ما أعظمه عبدا وسيدا ، وأكرمه أصلا ومحتدا ، وأبهره صدرا وموردا ، وأطهره مضجعا ومولدا ، صلى الله عليه وعلى أصحابه غيوث الندى ، وليوث العدا ، وصلاة وسلاما دائمين من اليوم وإلى أن يبعث الناس غدا .



و-رحم الله- أئمتنا وعلماءنا الفحول، الذين أدركوا بالاجتهاد مناط العلة والمعلول، وأزالوا بسَبْر الأدلة قوادح الشُّبَه عن الدليل والمدلول، وأفتوا كلَّ مُسْتَفْتٍ وسؤول، ويسَّروا الوصول إلى فقه الأصول، فشكر الله لهم ما حَقَّقَ المفهومَ قلبٌ عقول، وما لَهَج بالمنطوق لسانٌ قؤول ، أما بعد :



فإن الإسلام هو الاسم الذي اختاره الله سبحانه وتعالى ليكون عنواناً لجميع الرسالات، من لدن آدم عليه السلام وحتى الرسالة المحمدية الخاتمة ، فالمتتبِّع لقصص الأنبياء في القرآن الكريم، يجد أنّ الإسلام هو أساس كلّ رسالة، وجوهر كل شريعة .



 ولكن المتتبع لها أيضا لا يخفى عليه أن دعوات الأنبياء والمرسلين عبْر مسيرة البشرية كانت دعوات خاصّة تقتصر على قوم بعيْنهم، أو على أمم بذاتها، لا تتجاوز الدعوة حينذاك حدودَ تلك الأوطان والبيئات ، قال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ} (هود:25)، والآيات في ذلك لا نحصيها .



وأمّا رسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فقد تجاوزت حدود الزمان والمكان، وتخطّت حواجز الأمم والشعوب، وانطلقت لتشمل كلّ الأجناس واللغات ؛ ولذلك لم يكن القرآن الكريم - وهو معجزة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ودليل نبوته- مرتبطا بحياة الرسول صلى الله عليه وسلم كمعجزات الأنبياء السابقين، بل كان معجزة مستمرّة متجدِّدة، كلها عطاء إلى يوم الدِّين، قال عز من قائل : {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً} (الفرقان:1).



وقال صلى الله عليه وسلم : ((فُضِّلْتُ على الأنبياء بسِتّ، أعطيتُ جوامعَ الكلِم، ونُصرتُ بالرّعب، وأُحِلّت لي الغنائم، وجُعلت ليَ الأرضُ مسجداً وطهوراً، وأُرسِلتُ إلى الخلائق كافّة، وخُتم بيَ النّبيّون))، رواه مسلم.



وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله صلى الله عليه وسلم  قال: ((والذي نفسي بيده! لا يسمَع بي أحدٌ من هذه الأمّة -يهوديٌ أو نصرانيّ- ولم يؤمن بالذي أُرسِلتُ به، إلاّ كان من أصحاب النار))، صحيح مسلم.



وقد أخبر القرآن الكريم أنّ الإسلام سينتشر ويعمّ أرجاء الكون؛ قال تعالى: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ * إِنَّ فِي هَذَا لَبَلاَغاً لِقَوْمٍ عَابِدِينَ * وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} (الأنبياء:105، 106) ، إذ هو دين الهدى ودين الحق ، فأنّى تلفّت المسلم في حياته اليومية، أو خطا خطوات في جانب من جوانب الحياة -سياسية، أو اقتصادية، أو ثقافية، أو اجتماعية- إلا ويجد شرائع الإسلام وأحكامه مِن حوله تحوطه بالعناية والرعاية، وتكبح جماح شهواته في حنو ورحمة، وتأخذ بيده في سهولة ويسر، وتسمو بالإنسان في بساطة وإقناع .



ولأنه الحق فإن سنة الله ماضية في احتدام الصراع بينه وبين الباطل ، ولكنه بالرغم من ضراوة أعدائه ، وحرْبهم الشعواء عليه، فإنه ينتشر خيرُه وتعمّ هدايته للبشرية، وما من بقعة من بقاع الأرض إلاّ وصوت الإسلام يعلو فيها ، ولا غرو فإن الله سبحانه أثبت تلكم الحقيقة في محكم كتابه بقوله : {هُو الذِي أَرْسَل رسُولَهُ بِالهُدى ودِيْنِ الحقِّ لِيُظْهِرَهُ على الدِّيْنِ كُلِّهِ وَلَو كَرِهَ المُشْرِكُوُنَ} ( التوبة : 33 ) .



وإن المتأمل لحال الأمة اليوم ليلحظ بجلاء ما تمر به من اختلاف وتفرق ، وتنازع وتشتت ، ليعلم علم اليقين بأن جزءاً كبيراً مما أصابها ويصيبها من الفتن والنكبات؛ إنما هو بسبب ما يجرى فيها من التنازع والفرقة، قال تعالى : { ولا تَنَازَعوا فَتَفْشَلُوا وتَذْهَبَ رِيْحُكُم }( الأنفال : 46) ، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: «وهذا التفريق الذي حصل من الأمة علمائها ومشايخها، وأمرائها وكبرائها؛ هو الذي أوجب تسلط الأعداء عليها» .



إن أزمنة الفتن وأيام المحن أيام عصيبة ؛ إذ تنطمس فيها سبل الهدى، ويلتبس فيها الحق بالباطل، وتستحكم فيها الأهواء، ويتبع الناس فيها كل ناعق، ويخفى فيها الحق على طالبه، ولذلك شبه رسول الله صلى الله عليه وسلم الفتن بقطع الليل المظلم؛ كما في قوله صلى الله عليه وسلم: « بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم؛ يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً، أو يمسي مؤمناً ويصبح كافراً، يبيع دينه بعرض من الدنيا» رواه مسلم  .



 ولقد مرت أمة الإسلام عبر تاريخها بأزمات كثيرة وفتن متلاحقة، قيَّض الله فيها لها من أهل العلم والفضل وأهل النصح والعدل من أنقذ بهم الأمة وحفظ بهم الملة، فأثر العلماء ودورهم في إخراج الأمة من الفتن والنجاة بها من متلاطم المحن مشهور مذكور؛ بل إن وجوب البيان والنصح على أهل العلم ليتأكد حينها ، فإن معهم مصابيح الدجى ومشاعل الهداية التي يُخرج الله بها الناس من الظلمات إلى النور ، ولا يخفى ما لهم من رفيع المنزلة وعلو المكانة وسبق الفضل ما لا يزاحمهم فيه غيرهم من أصناف الناس، إذ هم الواسطة بين الله وبين عباده في تبليغ الشريعة ، والدلالة عليه جل وعلا ، فالواجب عليهم جد عظيم بقدر ما تبوؤوه في الأمة من المكانة والمنزلة، فبصلاحهم وقيامهم بما فرض الله عليهم من النصح والبيان يصلح معاش الناس ومعادهم .



ولا ريب أن أمة الإسلام اليوم في شرق الأرض وغربها؛ تمر بمرحلة بالغة الحساسية والخطورة، هي أحوج ما تكون فيها إلى أهل العلم الراسخين في علومهم، العاملين لدينهم، الناصحين لأمتهم، العالمين بواقع الأمة وما يحيط بها من أخطار ، وما يجد عليها من نوازل ووقائع حادثة .



ومن هنا تبرز الأهمية الكبرى للعلم الشرعي ، وبالأخص علم الفقه وعلم أصوله من باب أولى ، إذ إن علم الأصول يعد من أهم علوم الشريعة وأجلها قدرا وأعظمها أثرا وأكثرها فائدة وأكبرها عائدة ؛ لأنه الطريق لاستنباط الأحكام الشرعية، فهو منهل الأئمة ومأوى المجتهدين ومورد المفتين، لا سيما عند الاختلاف والفرقة ، وحين ظهور النوازل والمستجدات ، فإنه لا يتمكن منه عالم  إلاَّ وحصلت له ملكة استنباط الأحكام الشرعية ، ومن هنا ظل علم أصول الفقه محط اهتمام المسلمين على مر العصور، وزخر تاريخ الإسلام بكوكبة من علماء الأصول في مختلف العصور، مثلوا منارات عالية في سماء العلم والمعرفة .



 كما شهد عصرنا الحاضر نخبة مميزة من علماء الأصول يعدون امتدادا لسلفهم من الأصوليين المبرزين ، ولذلك فقد رأينا أنه لزاما علينا إبراز منهج هؤلاء العلماء ، ونشر حياتهم العلمية ومناهجهم الأصولية، لما لذلك من الأثر الكبير والخير الوفير على الباحثين وطلاب العلم عامة، والمهتمين منهم بالأصول على سبيل الخصوص.



ولقد كان من هؤلاء الأعلام في العلوم الشرعية كافة ، وعلم الأصول خاصة ، شخصية علمية أصولية جديرة بالإبراز والاهتمام ، تخصصت في أصول الفقه ، وتبحرت في دراسة علم الحديث فجمعت بين الحسنيين ، وضربت في غيره من العلوم بسهم وافر ، ذلكم هو الشيخ الدكتور/سعد بن ناصر الشثري سدده الله .



ونظرا لما يمثله الشيخ –حفظه الله- من مكانة علمية وأصولية، ولما يتمتع به من منهج متميز ، ولحاجة المكتبة الأصولية والحديثية  - المقروءة منها والمسموعة – لهذا العلم ، ارتأينا من خلال هذا الموقع المبارك أن نسهم - قدر المستطاع- في نشر العلم الشرعي الصحيح ، المبني على الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة ، و أن نشارك – ولو باليسير – في إبراز المنهج الأصولي لعلمائنا الأفذاذ ، وفاء بحقهم علينا ، وربطا للمسلمين كافة بعلمهم ومنهجهم .



والله نسأل أن يجعل عملنا هذا خالصا لوجهه الكريم ، وأن ينفع الله به الأمة الإسلامية في كل صقع من أصقاع الأرض ، إنه ولي ذلك والقادر عليه .